أخبار مهمةمقالات وأراء

وزير الأوقاف: دروس عظيمة من الهجرة

الهجرة النبوية مليئة بالدروس العظيمة , يأتي في مقدمتها حسن التوكل القائم على الأخذ بالأسباب , ابتداءً من التخطيط والتدقيق , واختيار الصاحب والدليل , والطريق غير المعتاد , وتحديد غار حراء للمبيت فيه , واختيار عبد الله بن أريقط لمعرفته الدقيقة بمسالك الصحراء ودروبها , وعامر بن فهيرة ليتتبع المسير لمحو آثار السير , وتكليف علي بن أبي طالب بالمبيت في مكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى يشغل الكفار عن تتبع رسول الله لحظة خروجه , وإلى جانب كل هذه الأسباب يبقى حسن التوكل والاعتماد على الله (عز وجل) في كل جوانب الرحلة , ومنها ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) حين قال أبو بكر وهما في الغار : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما , يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا , وذلك حيث يقول الحق سبحانه : ” إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” .

ومن دروس الهجرة العظيمة أن بناء المسجد كان أول ما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم) , فور وصوله إلى المدينة المنورة للتأكيد على أهمية المسجد ودوره الحيوي في حياة الأمم والشعوب .

ومنها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار على ما كان بينهم من إحن وثارات بدّلها الإيمان بالله إلى أخوة ومودة ورحمة , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” .

ومنها ترسيخ أسس التعايش السلمي بين البشر على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وقبائلهم , حيث تعد وثيقة المدينة أعظم وثيقة بشرية في تاريخ الإنسانية في تأصيل وترسيخ أسس العيش المشترك , فقد أكدت الوثيقة أن يهود بني عوف ، ويهود بني النجار ، ويهود بني الحارث ، ويهود بني ساعدة ، ويهود بني جشم، ويهود بني الأوس ، ويهود بني ثعلبة ، مع المؤمنين أمة ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم، وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه ، وأن النصر للمظلوم ،وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا  محاربين،  وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ،   وأن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وأن من خرج منهم فهو آمن، ومن قعد  بالمدينة فهو آمن , إلا من ظلم أو أثم ، وأن الله (عز وجل) جار لمن بر واتقى , ومحمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وفي أعلى درجات الإنصاف تنص الوثيقة على أن لليهود دينهم , قبل أن تنص على أن للمسلمين دين .

ومن أهم ما نؤكد عليه هو أن الهجرة بمعنى الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام قد انتهت بفتح مكة , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ” , وعندما أسلم صفوان بن أمية قيل له لا دين لمن يهاجر , فقدم (رضي الله عنه) مهاجرًا إلى المدينة , فلما قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) مَا جَاءَ بِكَ أَبَا وَهْبٍ ؟ ” قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لا يُهَاجِرْ ، فَجِئْتُ مُهَاجِرًا فَقَالَ : ” ارْجِعْ أَبَا وَهْبٍ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ ، لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ “.

غير أنه قد بقى من الهجرة معناها الأسمى الذي بيّنه نبينا في قوله ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” , فالهجرة الحقيقية إنما هي تحول إيجابي من الضلالة إلى الهدى , ومن الفساد إلى الصلاح , ومن سيئ الأخلاق إلى صالحها وكريمها بعيدًا كل ألوان الزلل والشطط والتطرف كالهجرة إلى الجماعة الإرهابية يوهم الجهاد الكاذب مما لا علاقة له لا بالإسلاك ولا بالهجرة ولا بالجهاد , كما نحذر من الهجرة غير الشرعية التي تؤدي إلى الهلاك أو المذلة والمهانة , وكلاهما لا يرضاه الإسلام ولا العقل السوي.

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »